• اخر الاخبار

    Friday 28 December 2018

    قصة مشوقة! غريب بويبلان.


    وسط اهتمام و غضب شعبيين في مواقع التواصل الاجتماعي ،أصبحت الموت المأساوية لراعي الغنم في مرتفعات بويبلان - خاصةً صورته وهو مغطى بالثلوج- مادة دسمة للمواقع الاخبارية .ومواكبة لهذا الحدث كلفتني هيئة التحرير بالتنقل إلى عين المكان لإعداد تقارير  إخبارية ،لم أتحمس في بادئ الأمر فالطقس مازال سيئاً هناك فضلاً عن صعوبة التواصل مع ساكنة لسانها أمازيغي، لكن إلحاح المدير و تحفيزه لي بالحديث عن أهمية العمل الميداني بالنسبة لصحفي في مساره المهني وكذلك إمكانية الحصول على سبق صحافي ما هناك جعلني أغير رأيي على مضد. اتجهت صوب بلدة "أهرممو" القريبة من منطقة بويبلان وهناك سألت بعض الناس عمن يمكنه إرشادي للدوار ومساعدتي في ترتيب لقاءات مع أهل المتوفى ومسؤولين محليين. اقترحوا علي في البداية الكثير من الأسماء ومنهم من استغرب سؤالي وقال، اذهب إلى حيث تريد وسيساعدك الجميع فيما تريد لكن استدركت بالقول؛ إنني بحاجة لشاب ذا تعليم جامعي وله معرفة ودراية جيدين بالناس والمنطقة. 
    نصحني أحدهم بالتواصل مع أحد أبناء دوار يوجد في طريق بويبلان وأعطاني بعض المعلومات للوصول إليه (أشجار،مدخل طريق غير معبدة ،لون البيت ...
    ألقيت التحية وقدمت نفسي: أنا صحفي من العاصمة تم ارسالي لإعداد مواد إخبارية حول وفاة راعي الغنم، وقد دلني بعض الناس إليك بعدما أخبرتهم بحاجتي لبعض المعلومات والمساعدة في التواصل مع مسؤولين محليين ومع أهل الفقيد.
    - أهلاً، ربما يمكنني مساعدتك لكن ليس الأن، مساءا يمكننا الحديث فيما تريد.
    حاولت تجاوز خيبة الأمل من رده وأكدت له أن الأمر لا يحتمل التأجيل فالخبر يتناقله الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي ويجب أن أعد تقريراً في الحال كما انني أطمح لتحقيق سبق صحفي وإن بقيت حتى المساء ستكون رحلتي ذهبت سداً إذ ستكون كل التفاصيل قد نشرت من طرف منابر صحفية أخرى. لم يبدي أي تفاعل مع ما قلته وهذا يعني أن حوارنا أوشك على النهاية بدون نتيجة مرضية فكان لابد أن ارتجل شيئاً لأقوله. ويبدو أن عتاب المدير كان حاضراً بقوة في لاوعيي إذ خطر على بالي مثل مصري لطالما كرره على مسامعنا وفيه يقول "يا خبر بفلوس بكرة يبقي ببلاش"، ذكرت له المثل وحرصت على الإشارة إلى "صاحبها".
    تخلى أخيراً على بعض من تحفظه وعقب مبتسماً إن حكمة مديرك تبدو حمالة أوجه فظاهرها يفهم منه عكس ما ذهبت إليه، ربما أمكنك استغلال هذا ضده يوما ما!! سكت قليلاً ثم أضاف أنا أيضاً خطرت ببالي عبارة معينة من قصة قرآنية وفيها قال عبد صالح اسمه "الخضر" لموسى ذات لقاء "إنك لن تستطيع معي صبرا". سأرشدك إلى بيت الفقيد ب "تنشررامت" وهناك يمكنك أن تقوم بعملك كما تريد، وإن أردت الحديث فتعرف متى وأين يمكنك أن تجدني، حظاً موفقاً.
    وكذلك كان، حرصت على إتباع ارشاداته حتى وصلت إلى المكان المنشود وبدأت العمل بجمع المعلومات التي كان جلها معروفاً سلفاً لذلك لم أرسل أي شيء وعدت أدراجي إلى ...لعله يكون سبيلا لأشياء أخرى نوعية.
    حسناً ها أندا قد رجعت ومدير الموقع غاضب جداً ويستحسن أن يكون ما في جعبتك مهماً وإلا فإنك تضع مساري المهني على المحك.
    -  دعنا لا نضيع مزيداً من وقتك إذا فلتبدأ التسجيل أو التدوين أو أياً كانت طريقة عملك. "ذلك الذي مات هو أنا، أنا في عالم موازي لم....“
    اللعنة، اللعنة علي وعليك و على العوالم المتوازية أهدرت وقتي هباءً، لا أحد يستمع لهذيانك هنا وأنت تشرب و"تتحشش" وأردت أن تتسلى بي في سمرك اليوم، كيف سأبرر لرئيسي في العمل لا شك أن "شياطينه" توسوس له أني استمتع بالثلج هنا، بربك هل سأقول له أن شخصاً ادعى أنه مثل الخضر قد أضلني.
    - بدا غير مكترث لغضبي- وقال لم أدعي شيئا، كل ما في الأمر أني قلت عبارة موجودة في القران على لسان "الخضر" كما أضيف الآن قوله لمرافقه "ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا". إن قاطعتني مرة أخرى سيكون ذلك فراق بيني وبينك.
    وأنا أرفض أيضاً أن يكون نقاشنا مثل تلك "اللفافة"، أنت من يستهلكها كوسيلة انتشاء لك فقط. يمكنك أن تلعب دور "الخضر" كما تشاء، لكن لست موسى ولست بوقاحة من يتقمص دور نبي على كل حال، فإما أن تخبرني شيئا ما يفيدني في إنجاز مادتي الاعلامية أو هو الفراق بيننا.
    - لا أهمية للأسماء وادوارها هنا، لقد استعرت بعضاً مما قيل في القصة لوجود بعض الشبه فقط لا غير. لكن ما دمت مهتماً بالتشخيص فاني أجد المرحوم أقرب لموسى، لكنه موسى جديد يتقاطع في أشياء قليلة مع نبي بني إسرائيل ومتأثر "بموسى أوصالح“ويتقاسم الكثير مع موسى/("العربي") في رواية مورسو تحقيق مضاد/معارضة "الغريب" لكمال داوود.
    -لا تقلق سأوضح ذلك-؛ لقد أخبرنا القران أن النبي موسى كانت له بعض الصعوبة في الكلام والتعبير واحتاج لأخيه هارون حين ذهب إلى فرعون وكذلك لم يكن باستطاعة حميد بعلي „الامي“ أن يعبر ويتكلم بلسان فرض -دون سواه- غداة استقلال على الجميع باسم القداسة وباسم قومية مزعومة، ولذلك ربما احتاج هو الأخر من يتكلم باسمه وبلسانهم لعلهم يفهمون "رسالته".
    إن الانسان ابن بيئته يؤثر ويتأثر بها و "موسى او صالح" هو أعلى جبل في هذه المنطقة وبمقربةٍ منه عاش ومات بعلي ,أما عن شبهه بموسى رواية „مورسو -تحقيق مضاد „(أو العربي في رواية الغريب) فكثير. هل قرأت الروايتين؟؟
    أجبته بأني قرأت "الغريب" لكامو وسأبحث عن مراجعة للرواية الأخرى، وحبذا صديقي لو تظهر بعض الاحترام الواجب لأنبياء الله عند ذكرهم.
     -ههه أهكذا اعتدتم العمل؟ بقراءة الملخصات وقشور الأشياء ونتساءل بعد ذلك لماذا ليست لدينا صحافة؟؟
    أظن أنني تكلمت بحياد عند ذكر النبي موسى، أنا ابن هذه المنطقة وفيها اكتسبت أغلب طبعي، وأكاد أجزم أن الناس هنا (كانوا) يقدرون و"يقدسون" أولياءهم أو ما يعتبرونه أولياء الله الصالحين على الأنبياء والرسل لأنهم - ورغم بساطتهم- قوم مقبل على الحياة فكان الأولياء "يلبون" رغباتهم ومطالبهم ب „كراماتهم الالهية" في الدنيا فيما كان الانبياء يعدون الناس بالجنة في الأخرة. وربما لا أبالغ إن ادعيت أنه لم تكن دعوة نبي لتنجح هنا. ربما لم يمروا أو ربما فعلوا لكن حتما لم يحققوا ما يشفع لهم بتخليدهم في كتب التاريخ والدين.
    لاحظ وهو يهم بنقاش التدين الشعبي السائد هنا وكيف أن الناس كيفوا الدين مع نمط عيشهم وليس العكس، لاحظ تذمري وعدم اكتراثي فقال، حسناً ما سأحكي لك يتقاطع قليلا مع الرواية مع اختلاف الأحداث والسياقات لذلك سأستعير بعض عباراتها. وهكذا إذاً ب „ملخصك"/مراجعة وما سأقول تكون قد ضربت عصفورين بحجرة واحدة. (ستعرف جزءا مهما من رواية كمال داوود وكذلك "روايتي")
    أفهم من هذا أنك أعطيتني دورا أقرب للطالب الفرنسي (الذي كان يدون ما يحكيه له هارون أخ موسى في الحانة- رواية مورسو -تحقيق مضاد)، لكن من أنت ومن هم الأخرون؟
    - سيتبين ذلك لاحقاً. أرجو ألا تقاطعني إلا لأمر مهم، دون فقط ما أقول حتى وإن بدا غير منتظم أحيانا، فقد "دخنت" كثيراً وأنت تجادلني!!
    "يما اليوم مازالت حية ،تبكي ابنها وتتساءل مع نفسها بحرقة ألم يكن بالإمكان إنقاذه...
    مهلاً، من يتكلم الآن, من يقول هذا؟؟
    - إنه حميد بعلي، دون اسمه هكذا، أصر على ذلك وإلا من الأفضل أن نفترق هنا، أنا من يقول هذا باسمه، ألم أقل لك أن ذلك الذي مات هو أنا في عالم موازي لم يبقى منه شيء، لم يبقى إلا أن أتكلم مكانه.
    -حسناً لا تغضب- وضح لي ماذا تقصد بالعوالم الموازية وماذا تعني بأنك هو في عالم موازي؟ بعدها أتمم كلامك ولن أقاطعك.
    لا بأس، انها نظرية في الفيزياء، لكني أسقطها على واقع البلد أو إن شئت الدقة واقعي. إنني من هذه الجبال، ولدت وسط هذه الثلوج لكنني ولمدة طويلة هجرتها نحو المدن الكبرى، وأؤكد لك أنه أشبه بانتقال من عالم إلى عالم موازي. تمعن جيداً فيما رأيته اليوم (بنيات تحتية مثلاً) هل ترى تشابهاً ما مع "المركز" ؟ هل تفهم شيئاً من لغتهم وعاداتهم ونمط عيشهم؟ لقد جئت تسأل عن المساعدة من أجل التواصل لأنكم تحتاجونها بالفعل، أليس حقاً عالماً جديدا بالنسبة لك؟؟.
    نعم، إنه يشبهني تماماً لدرجة أني أرى فيه نفسي، مات في أعلى الجبل فأحسست أني مت معه. ومن حسن الصدف أو سوئها نجوت هناك حين انتقلت ل"عالم آخر" و درست في الجامعة ما مكنني أن أفكك بعض الخطابات واقرأ ما وراءها.
    ما سمعته وقرأته لحد الأن "قصة راعي غنم قتلته الثلوج" هكذا دون تسميته حتى!! سواء في الرواية الرسمية أو في مقالاتكم (إلا القليل منها). لهذا يجب أن أقدم روايتي /روايته لأنها غائبة ولأنه إنسان لديه اسم وصوت، ما لم يتسنى لحميد أن يرويه سأحكيه لك كقصة مروية بصوت جثة.
    نعم نعيش في عوالم موازية في هذا الوطن، ولا أحد بإمكانه نفي ذلك تماماً حتى من يسيرون شؤونه(الوطن)يحاولون في كل مرة التقليل من شأن اختلافها فقط (العوالم) وقد سمعتهم مراراً يختزلونها في عبارات أكاديمية مسكوكة من قبيل التفاوتات السوسيومجالية والاختلالات الجهوية.... والتي لا يدخرون جهداً من أجل تقليصها!! كثيرا ما حاولت تصديقهم لكن في كل مرة أنظر فيها للتوزيع الجغرافي للمشاريع أصل لنتيجةٍ منطقية واحدة؛ انهم يظنون أن حميرنا وبغالنا تمشي/تسير بسرعة البراق وفي محاولة منهم للحاق بنا اشتروا قطاراً سريعاً سموه البراق!!
    ستسألني عن ماهية هذه العوالم ؟
    عموماً نحن هنا في الهامش وهناك المركز، وقبل ذلك في زمن الاستعمار كان المغرب النافع واخر غير نافع وقبله كان المخزن من جهة ومناطق بعض القبائل "الثائرة" (السيبا) من جهة أخرى [-قلت بشكل عام لأن هذه العوالم بدورها ليست متجانسة كليا وتحتوي بدورها على اختلافات طبقية واجتماعية فيما يمكن أن نسميه عوالم صغيرة (فليس حي الرياض كحي التقدم في المركز ولا حال الفلاح البسيط كالإقطاعي في الهامش)].
    فجأة صرخ بغضب، لقد كنا أشباح هذا البلد فيما كان الأخرون يفرطون في استغلال الخيرات، لا أريد أن أكون في موقف الضحية وأمقته لكن يا صديقي نحن كذلك، ضحايا حتى إشعار أخر، ضحايا حسن نيتنا و سذاجتنا حين جاؤوا ببشرون بدولة حديثة مزعومة يتساوى فيها كل الناس في الحق والواجب فتفككت قبائلنا وبنياتها وانماط عيشها من أجل ذلك في حين كانوا يؤسسون قبيلة لقيطة على انقاضها تسيطر على كل شيء.
    نحن ضحايا عقاب جماعي انها "حركة" )-بتسكين الحاء-  (طويلة الأمد على منطقة بأكملها ، لست أعطي الموضوع أكثر من حجمه ولكن أحاول وضعه في إطاره العام، انني أعني بكل هذا أن وفاة حميد كانت في جزء كبير منها نتيجة اختيارات سياسية و اني اعتبره ضحية جريمة سياسية .
    أنظر إلى ما قاله الوزير واقتبس هنا "بالله عليكم، بخصوص راعي الغنم، واش كاينا هيليكوبتير تصعد في العاصفة الثلجية إلى الجبل؟،هل نرسل ناس آخرين للجبل ليموتوا، ثلاثة أيام والثلوج تسقط، غير ممكن أن تحلق الهيليكوبتر فوق الجبل، ألا تريدون أن يموت أحد في البلاد... الرجوع الله” 'لم يكلف نفسه تسميتي بالاسم الذي سمتني به أمي وحملوني القاب أخرى وكذلك فعل أغلبكم في الصحافة إذ كانت عبارات راعي الغنم، شهيد الثلج...أكثر شيوعاً وجدباً للنقرات. هكذا سأغدو بعد حين مجرد قصة مأساوية بطلها راعي غنم قتله الثلج تحكيها الأمهات لأبنائهم لتحذيرهم من الثلوج وقسوتها تماما كقصة عجوز بويبلان (ربما سأحكيها لك في يوم أخر)'
    تمعن في جوابه وهو يسيجه بعبارات دينية كم يبدو مقنعاً. لا تظن أن تلك النفحة الدينية في كلامه بريئة تماماً، بالعكس إن لها مفعول سحري وهي ترفع القضية من الأرض نحو السماء نحو القدر, نحو الميتافيزيقا. يكفي أن تغلف أي شيء بالدين ليكون تأثيره أقوى ونسبة قابلية تصديقه أكبر وقد لا تلحظ أن من بين الأسباب آلتي دفعتك للرجوع إلى أني استعملت أية/قصة دينية ولكنها كانت سبباً رئيسياً.
    فضلاً عن ذلك لا أصدق ما يقول من معلومات، لقد كانت هناك نداءات كثيرة للتدخل في الوقت المناسب وهو ما لم يحصل في حين خرج أبناء المنطقة يبحثون كل يوم، مما يعني أنه كان من الممكن أن يبحث اخرون فما بالك إن كانوا أكثر تجهيزاً !
    الواقع أن "الدولة-المخزن" كانت غير مبالية وعدمية لسان حالها يقول "مات الراعي اليوم أو ربما أمس لا ندري". 'يقولون إن الثلج قتلني وأن المسألة غضب طبيعة في جغرافية ملعونة ليس إلا. تلك عبثيتهم التي يغلفونها بالدين لعلنا نجد فيه بعض العزاء. لم يكن الثلج سوى وسيلة الموت وكان يمكن أن يكون وسيلة للحياة فغير بعيد من هنا مازالت معالم أولى محطات التزحلق على الثلج في المغرب، محطة لم تصلحها الدولة ولا هي تركت من يريد أن يفعل ذلك ليصلحها وشجر أرز ثمين يتعرض لجريمة إبادة في وضح النهار ومؤهلات سياحية كبيرة كانت لتساهم في فك العزلة عن هذه المنطقة وتنميتها.
    -بغضب مرة أخرى -لقد جوعونا هنا لنشعر بالامتنان لهم عندما يأتون بقفة إحسان.
    إذاً أؤكد لك أنا لست ضحية ثلج، أنا ضحية إهمال وتهميش حتى مماتي وضحية لاوعي جمعي متعالي لدى السلطة والنخب في المركز لم يعترف حتى بإسمي بعد وفاتي.
    قد تبدو لك مسألة التسمية هنا تافهة وثانوية لكنها ليست كذلك، للاسم سلطة على مخيلة الناس كما أنه مؤشر على طبيعة علاقات السلطة بين الدولة أو المجتمع من جهة والفرد/جماعة من جهة أخرى (بين المسمي والمسمى بكسر الميم وفتحها (
    لم يسموني لأنه ليس من السهل ترك انسان ليلقى حتفه إذا ما حمل اسما ولأنهم لو فعلوا لأنبتهم ضمائرهم ذات صحوة ولكانت أيامي الأخيرة كوابيس لهم ذات حلم، تلك الأيام لن تستطيع الكلمات وصف قساوتها على الجسد وقد أنهكه الجوع والعطش والبرد فبدأ يحمر ويرتجف لينهار في النهاية، وعلى النفس و هي ترزح تحت وطأة تناقض المشاعر وشدتها بين الانتظار والأمل والتشاؤم والمقاومة والموت وعائلتي وخرفاني هل تدرك معنى أن تموت ببطء هكذا تنتظر نجدة لم تأتي؟؟
    لقد تم إنقاذ أجانب ومسؤولين في حالات مشابهة وتم ذلك بوسائل ومعدات متطورة في حين أرسلوا بضعة أشخاص بعد فوات الأوان بعكاكيز!! فبالله عليك هل يعتمد إنقاذ انسان ما على حسب جنسيته وهويته ووضعه الاجتماعي ؟؟

    ماذا تبحث وراء كل هذا الكلام ؟ ما غايتك  ؟
     لا شيء معين،أظن أنها محاولة إخلاء لشعور بمسؤلية ما فيما وقع بالكلام فيه ، لا أهدف لدحض الرواية الرسمية و ساكون حالماً إن اعتقدت أن رواتي ستصمد أمام أخرى تسندها السلطة و الاعلام  و"لاشعور جمعي"فضلاً على أنه أشك أنك ستكتب كل ما قلته. هي مساهمة لكي لا يختفي اسمه بسرعة من صفحات التاريخ وليرسخ في الذاكرة المحلية شاهداً وشهيداً فلذلك أهميته حسب كونديرا حين يقول أن „صراع الانسان ضد السلطة هو صراع الذاكرة ضد النسيان"..
    لا يمكنك أن تنفي أن هناك غضب شعبي تعكسه المواقع الاجتماعية كيف تقرؤه؟ وكيف ترى رد فعل النخب؟
    ذلك طبيعي فالحدث مأساوي والصورة كانت مؤلمة للغاية وكل ذي ضمير حي سيستنكر الذي وقع. لكن يجدر بالغضب وتراكمه أن ينتج ردود أفعال على الأرض تقود إلا تغيير ما محسوس، أما والحال أن الغضب يصرف في مواقع افتراضية على شكل تدوينات ومرثيات هنا و هناك فقط،فلا خير يرجى من غضب كهذا. وعلى كل حال بمجرد أن ينفس الناس غضبهم سرعان ما سينسون في انتظار حدث أليم أخر.
    أما النخب- إذا ما سلمنا أن ما لدينا يمكن اعتباره نخبة -فأغلبها حاول الركوب على موته والمزايدة بها بدءًا من رئيس الحكومة سابق وهو يتأسف على عدم انقاذه في الوقت الذي يقود إخوانه الحكومة الحالية وهناك من حاول رمى المسؤولية في اتجاه الاخرين فقط وهناك ما فضل الصمت لكون قضايا الهامش مثل هذه يعتبرها في لا شعوره من الدرجة الثانية  لا ربح نضالي منها . وفي كل الأحوال كلهم يتحملون جزءا من المسؤولية فيما وقع.
    ذكرت روائيين وكتب روائية في حديثك هل قرأتها كلها ؟ولماذا تدخن هذه السموم ثم لماذا عدت إلى هذا المكان؟
    -لا قرأت بعضها وأجزاء من البعض الأخر، و بعض العبارات والايات التي قلتها بقيت عالقة في ذهني من هنا وهناك.
    لقد سيجت عقولنا بقيود كثيرة في هذه البلاد باسم الدين والقانون وتقاليد المجتمع وأخلاقه... تضخمت أنانا الأعلى لدرجةٍ صرنا نفضل الصمت عن الكلام مخافة أن يكون خطيئة أو نرتكب معصية من خلاله، أدخن واشرب لأن ذلك يساعدني على كسر بعض تلك القيود لبعض الوقت، فيتحرر عقلي من عقده وخوفه وجبنه صحيح سيسبب ذلك هلاكي لا محالة لكن أرى أن شعورا بالحرية وإن كان موقتاً  يستحق تضحية كهذه.
    وقد تجد كلامي غير مترابط أحيانا لكن لا تقلق فالحقائق غالباً ما تخرج من أفواه السكارى و"المحششين".
    تسألني عن سبب رجوعي لهذا المكان، ربما يحتاج الأمر لسمر أخر لأنه لا أعرف أسباب مباشرة لأقولها لك. على كل حال ولأن الامر معقد قليلاً سأحاول أن أوضحه بمثال، إني أشبه ارتباطي بالمكان بقطعة حديد وسط مجال مغناطيسي ذي جاذبية كبيرة، وحتى حينما ابتعد لسنوات بفعل قوى أخرى فإن هذا المكان يظل يسكنني تماما كقطعة الحديد حينما نجدبها بالقوة تغدو ممغنطة بدورها من تأثير المغناطيس الأكبر. هذا المكان موطني، هنا ولدت وهنا كبرت وهنا أحس بشيء من وجودي.
    قرأت هنا في ملخص رواية معارضة الغريب أن هارون انتقم لأخيه فهل تسعى لانتقام ما؟
      -انتقم ممن؟ الحديث عن الانتقام هنا يشبه صراع دون كيشوت ضد/ مع طواحين الهواء، انني أنشد بعض العدالة فقط وإن كان لا بد من ثأر ما فإن رهاني كما قلت على الذاكرة.ونحن نتسامر هنا أتذكر  قصيدة بعنوان "السامري الوحيد"  لسعيد سيفاو المحروق يقول في جزء منها:
     رغم سحابة النسيان- سوف يذكرون
     غدا..
     غدا.. ستورق الذاكرة القديمة
     تثأر للجريمة
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: قصة مشوقة! غريب بويبلان. Rating: 5 Reviewed By: tamurtpress

    comments-التعليقات

    Scroll to Top