• اخر الاخبار

    Wednesday 29 July 2015

    تجديد الخطاب الديني ضرورة فكرية و حضارية

     بقلم : هشام التجاني

    .        
     تجديد الخطاب الديني حاجة دائمة و ضرورة فكرية و حضارية للأمة الإسلامية , ذلك أن معانات العالم الإسلامي راجعة إلى ضعف التنشئة الاجتماعية و البؤس السياسي الاقتصادي الذي تشهده, ناهيك عن الصراعات المذهبية و الطائفية , أضف الى ذلك الهشاشة الفكرية التي تنخر عقل المسلم و هدا واضح من عجزه على صياغة حلول لمشاكله في قوالب فكرية و بالأحرى أن يقدم على قراءة نقدية لثراته و من تم تجديد خطابه الديني . اجل الاضطرابات التي يعيشها العالم الإسلامي تؤكد على ضعف"عقل المسلم" في وضع مقاربة تجديدية و الاستفادة من أخطاء الماضي -الوعي بالماضي- و التفاعل مع الحاضر بطرح حلول عقلانية لمشاكله عوض ان ينهك عقله بتبرير ضعفه بأعذار تافهة و كلنا نعي جيدا ان المؤسسة الدينية هي المصنع الأكبر لمنطق التبرير و التسويف ,كمثال "التبرير الذي قدمته المؤسسة الدينية للهزيمة التي تعرض لها العرب في حرب 1967 من قبل دولة إسرائيل  هو أن هده الأخيرة "دولة يهودية" و انها إنتصرت بسبب تمسكها بقيم التوراة , في حين تخلى المسلمون العرب عن قيمهم الدينية و انخرطوا في تقليد الغرب العلماني و استيراد أنظمته السياسية و الفكرية ." مثل هده التأويلات الميتافيزيقية هي التي كرست الجمود و الانحطاط الفكري و العملي في عقلية المسلم ومن تم عدم مسايرته للركب الحضاري, لأن الخطاب الديني أصبح خطاب عاطفي في شكله الميكانيكي ذاك العنصر اللامتغير في بنية عقل المسلم. كل هده التمظهرات لأشكال الفشل و الانحطاط هي التي تدفعنا إلى القول إن الحل كامن في تجديد الخطاب الديني و قراءة التراث الإسلامي –الفكري و الفلسفي- قراءة نقدية , و وضع قطيعة مع القراءة التراثية للتراث بتعبير الجابري .من هنا يمكن طرح مجموعة من التساؤلات التي سيجيب عنها هدا المقال . كيف تتم عملية الوعي بالماضي ؟لمادا هدا الصراع و الخوف من مصطلح "التأويلية" خاصة عند كهنة النصوص ؟ كيف يمكننا أن نحقق بشرية النص الذي اتسم بالتعالي ,أي أن يصبح النص خاضعا للتجربة البشرية دون أن يفقد هدا النص خصوصيته البنيوية الملازمة له ؟ في تحديد لكيفية "الوعي بالماضي " سأستحضر هنا موقف بول ريكور , اد يحدد هدا الأخير كيفيتين للوعي بالماضيالأولى و هي الحزن على الماضي بمعنى الاستمرار و الارتباط و الارتهان به , عبر التأسف عليه إلى درجة فقدان الذات لعتبارها و قيمتها في الحاضر . *الثانية الحداد على الماضي اي التخلص شيئا فشيء من متعلقات الماضي للوصول إلى دخلنة صورته, إنه يعني علاوة على ذلك التخلص من هاجس استعادة وضعيات ماضية للعيش فيها من جديد - كما يفعل التيار الديني السلفي مثلا - . الكيفية الثانية هي التي يجب ان يتعامل بها عقل المسلم حينما يقوم بدراسة تاريخه و ثراته , أي ان يعي انه انفصل عن الماضي زمنيا و أن يعي أهميته و قيمته في الحاضر لكي يكون قادرا على إحداث الجديد في عملية إبداعية متواصلة في قراءة الخطاب الديني لم تقطع مع الماضي و في الوقت نفسه لا ترتهن به . إن ما يخيف شيوخ الضلالة و يرهبهم في عملية تجديد الخطاب الديني هو التأويل أو التأويلية , أي تأويل النصوص الدينية , مع العلم ان هدا المصطلح ليس حديث العهد او مستوحى من الثرات الغربي بل تعود أولا استعمالاته إلى المعتزلة و الشيعية و بعض المتصوفة أما أهل الحديث فقد كان التأويل يخلق لهم نوعا من الاضطرابات العقلية الشيء الذي جعلهم يعادون تأويل النصوص و اخدها على ظاهرها و هدا حاصل إلى يومنا هدا . سأذكر مثال لكي يتضح تطبيق التأويل على النصوص لنأخذ مثلا مسألة "الرحمن على العرش استوى" و التي يرى المعتزلة أنها "مجازا" و ليس هناك عرش و لا استواء بمعنى الجلوس . اي ان المعتزلة في هدا التأويل دهبوا الى استحالة المعنى الحرفي في حق الله الذي "ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير" .إدا كان الله مستويا على العرش فمعنى ذلك من منظور المعتزلة أنه محدود في المكان و أنه جسم يقبل الأعراض.وهنا اعتمد المعتزل في مرجعية التأويل على القياس العقلي –قياس المخالفة - . في حين الفقهاء يتمسكون بالمعنى الحرفي للاستواء على العرش و في الوقت نفسه يحاولون نفي "المشابهة" التي يفضي إليها الفهم الحرفي , الشيء الذي جعلهم إلى يومنا هدا  متمسكين بمقولة الإمام مالك "الإستواء معروف و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة ". هده القول بالدات رد عليها الدكتور نصر حامد أبو زيد إد كشف لنا على التناقض الدي تحمله هده القولة يقول "لو تأملنا قليلا هده العبارة المتداولة في كل دوائر الفكر الإسلامي لو جدنا أنها عبارة تتضمن تناقضا على أكثر من مستوى المستوى الأول ان ما هو معروف لا بد أن يكون مدركا بالحس او بالعقل او بالخيال , و هو في كل حالة من تلك الحالات لا يكون مجهولا الكيفية , فما هو مجهول من حيث كيفيته لا يكون معروفا . المستوى الثاني ان " الإستواء" معطى لغوي لا تنكشف دلالته إلا من خلال سياق تركيبي هو الجملة في الحد الأدنى , و ما سبقها وما يتلوها في الحد الأوسط , ثم هو سياق النص في تركيبه في الحد الأعلى و على ذلك فالقول إن "الإستواء" معروف قول يتناول المفهوم الذهني , الذي هو المدلول المباشر للدال اللغوي , و لا علاقة له بالعبارة القرانية .المستوى الثالث من التناقض نفي "الحديث" بزعم أنه بدعة مع أن الأيات القرانية "حديث" عن الإستواء , من حيث هو فعل إلهي ." و عليه فمهمتنا هو ان نقترب و ان نقارب معنى النص بتأويل هدا النص و لي عنق اياته لتفجير معانيه المختلفة باختلاف الحقب و العصور , ذلك المعنى الدي تفوح منه رائحة الخطاب العلمي العالمي الإنساني بعيدا كل البعد عن الحصرية و القومية , يلف جميع أطياف المجتمع .خطاب علمي لاعاطفي يواكب التغيرات المكانية و التطورات الزمانية لكل مجتمع . السؤال الأخير هو كيفية تحقيق بشرية النص تتحقق هده الأخيرة بالنظر الى النص باعتباره البشري من خلال تسيقيه دنيويا , ذلك بتخليص النص و فك إرتباطه الملحمي الأسطوري للصياغة اللاهوتية للأرض هده الأخيرة التي أفقدت الأرض دلالتها البشرية ليتعاظم ضمن مقولات الاستخلاف و الحاكمية , التي شكلت في تصوري موانع إيبستيمية ضد علمنة الفهم و من تم علمنة الواقع . في الأخير يمكن القول ان عملية الخطاب الديني ضرورة اخلاقية و فكرية و حضارية , و مسؤولية في الوقت نفسه على كل دارس لهدا الفن ان ينتج خطابا دينيا حقيقيا يدعي لنفسه العمق النظري و الأفق الإنساني و تجديد النظر و خدمة المجتمع. و هدا لن يكون إلا بعد ان يقوم المجتمع الإسلامي بفسخ ذلك الزواج الكاثوليكي بين الحكومات و شيوخ الضلالة و كهنة النصوص , إد الأولى تحتاج لتأييد الشيوخ لتكتسب شرعيتها المفتقدة سياسيا و اجتماعيا , و يحتاج الشيوخ الى دعم الحكومات كي تبقي قبضتهم على رقاب الناس . و ينسى الجميع ان رياح العولمة الكاسحة ستغرقنا و تتركنا خلفها ما لم يتسلح الناس بالمعرفة و الوعي.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: تجديد الخطاب الديني ضرورة فكرية و حضارية Rating: 5 Reviewed By: Unknown

    comments-التعليقات

    Scroll to Top