كل قارئ لفلسفة نيتشه يتضح له
نسقه الفكري من خلال المؤلفين الشهيرين "جينيالوجيا1 الأخلاق"و "ما
وراء الخير و الشر", إذ بفضل هذين الكتابين قام بهدم الأخلاق القديمة و مهد
الطريق لما سماه "الانسان
الأعلى" , و ذلك من خلال توظيفه للغة حيث حاول أن يضع كلمتين متضادتين و في
الوقت نفسه لهما نفس المعنى –القيمة – كلمة تستعملها الطبقة العلية في كلامها عن
الطبقة السفلى – تافه او عامي - , و كلمة تستعملها الطبق السفلى في كلامها عن
الطبقة العلية – مضر - .بمعنى اخر نقول ان فلان "جيد" في نظر الطبقة
العلية هذا الفرد قوي و جبار و محارب , أما في نظر الطبقة السفلى هدا الفرد مسالم
و عطوف و لطيف . و من هنا جاء نيتشه بتقسيمه للأخلاق الى قسمين "أخلاق
السادة " و " اخلاق العبيد" . ففي نظر نيتشه إن الفضيلة للرماني
مثلا كانت الإقدام و الجرأة و الشجاعة , أما الفضيلة في المجتمع اليهودي و المسيحي
كانت الضعف و الخضوع و الذل , الذي ولد العجز الشيء الذي يدفع الناس لطلب المساعدة
من الغير . و من ثم حكم نيتشه على المسيحية بالخصوص انها جعلت الضعف مطلوب , و
المكر مكان القوة و الغدر عوض الثأر و الشفقة حلت محل العنف و صوت الضمير الأخلاقي
مكان الكبرياء و الشرف , كل هدا ساهم في نشر فلسفة الشفقة على النفس التي تكبح إرادة
الإنسان في إمتلاكه للقوة , و بالتالي الإنسان يحس بالشفقة على نفسه فيفقد قوته
أكثر, مما يجعله يشفق على نفسه أكثر و هدا يجعله يعيش عذاب دائم ,هده الفلسفة دمرت
الإنسان و حتى الإله . "إن الرب قد مات" لقد تلاشى الاله ؟ بل اقول لكم نحن الذين
قتلناه – انتم وانا ..كلنا قتلة . ويسأل المجنون اسئلة تدل على حزنه : كيف تمكنا
من فعل ذلك ؟ كيف شربنا كل ماء البحر ؟ من ذا الذى اعطانا الاسفنجة التى مسحنا بها
الافق كله ؟ هكذا قال نيتشة فى كتاب " العلم المرح " . الله الدي يقصده
نيتشه ذاك الإله الدي اخرجه كانط من الطبيعة الى عالم الأخلاق و ان المسحية صلبت
نفسها باخلاقها – اخلاق الشفقة
- . ما البديل بعد موت الإله الم نصبح كالإبن بدون اب ؟
احرار نتخد قراراتنا لا نكتشف القدرلم نصبح دمى نحرك وفق المشيئة الإلهية على سبيل
المفعول بهم , البديل متجسد في " إرادة القوة " و ان الانسان
الأعلى هو القادر على تجاوز العدمية "نتيجة موت الإله " دون خضوعه
لفلسفة الشفقة . و في الأخير لا يسعني إلا ان اقول أن النيتشوية ليست مجرد
فلسفة بل ظاهرة ثقافية متسيدة على الثقافة العالمية المعاصرة .أليس نيتشه يمثل روح
عصرنا هذا , عصر مابعد الحداثة, عصر اختلاط الحابل بالنابل, وانهيار كل قيمة, عصر
التفكيكية, والانسان ذو البعد الواحد , كم يبدو نيتشه قريبا منا, نراه كل يوم فى
صور القتلى فى الجرائد , فى اخبار الحروب والدمار والدماء. السنا نطبق وصية ابينا
الراحل – نيتشه – التي تركها في كتابه " هكذا تكلم زرادشت " أحبوا
السلام كوسيلة لتجديد الحروب ,وخير السلام ما قصرت مدته, إنني لا أشير عليكم
بالسلم , بل بالظفر, فليكن عملكم كفاحا و ليكن سلمكم ظفرا . لا اطمئنان في الراحة
إذا لم تكن السهام مسددة على أقواسها.وما راحة الأعزل إلا مدعاة للثرثرة و الجدال
. فليكن سلمكم ظفرا. تقولون أن الغاية المثلى تبرر الحرب , و انا اقول ان الحرب
المثلى تبرر كل غاية , فقد أتت الحروب و الإقدام بعظائم لم تأتي بمثلها محبة الناس
, وما أنقذ الضحيا حتى الأن إلا إقدامكم لا إشفاقكم.
" هو العودة إلى الوراء لإلقاء نظرة تاريخية على ماهية الشيء للحصول عليه
وهو في نقائه الأول .. البحث في
الأصل . ومعنى "البحث في الأصل الجينيالويا = تدل على1
بقلم : هشام التجاني