• اخر الاخبار

    Wednesday 30 September 2015

    العقل العربي و شبح النتشوية

    العقل العربي و شبح النتشوية

    بقلم : هشام التجاني


          يعتبر نيتشه أكبر الفلاسفة تأثيرا في عصرنا فليس هناك فيلسوف اكتسب شهرته ، وبلغ في الفلسفة مكانة و تأثيرا يمكن مقارنته بنيتشه خاصة في الفلسفة المعاصرة. لقد خيم شبح الفكر النيتشوي كل التيارات الفلسفية المعاصرة بدأ من هيدجر و ماركوز وصولا إلى فوكو و دريدا . لم يقتصر تأثير نيتشه على الفكر الغربي فقط ، بل امتد تأثيره الى المفكرين العرب ، إلا أنه القليل منهم من تعاطت و ناقشة الفكر النتشوي باعتباره نتاج فلسفي –خاصة مفكري مرحلة الانحطاط – هؤلاء تبنوا النتشوية "كإيديولوجية " ، يعني كبديل لإحداث ثورة عن بعض الأنماط التفكير التقليدي الجامدة التي تمثلها بعض الأوساط الدينية ،اد يمكن القول أن اهتمامهم بنيتشه كان بمثابة سلاح لمواجهة بعض دوائر الفكر الإسلامي باسم " التقدم " . فكانت تورثهم من باب تدعيم الحضور الثقافي الأوروبي – المشروع التغريبي الاستعماري - ، و لم يكن هدفهم دراسة نيتشه كفلسفة بل كإيديولوجية.
         
          بعد هده المرحلة تم العودة إلى النيتشوية ودراستها كفلسفة، هده العودة بدورها كان فيها فريقان فريق بحث في النتشوية و حللها و ناقشها بنوع من الأريحية، أما فريق آخر كان متخوف من انتشار هده الفلسفة ، و خاصة كان خوفهم الشديد من أن يطبق أحد الباحثين "المنهج الجنيالوجي " في دراسة التراث الإسلامي ، لأنه بسبب هدا المنهج وصل نيتشه إلى نتائج تتعارض مع الثقافة "العربية الإسلامية" ، من بين هده النتائج "موت الإله" "نهاية الميتافيزيقا" " انهيار القيم".
         
       ترتب عن هدا الخوف الابتعاد عن الاهتمام بالمنهج الجنيالوجي و عدم نقله إلى الثقافة العربية و بالأحرى أن تطبقه دوائر الفكر الإسلامي العربي كمنهج في الدراسات التي تعنى " بالتراث " كبقي المناهج . السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا هدا التخوف من المنهج الجنيالوجي؟
         قبل الجواب على هدا السؤال وجب علينا أن نعرف بهدا المنهج المنهج الجنيالوجي *هو علم يهتم بالبحث في أصل الأشياء و قيمة دلك الأصل * ، وهو منهج تاريخي أساسا و يتقاطع مع الفيلولوجيا ، لأنه يتخذ الظاهرة التي يدرسها كنص يجب التعرف عليه دلك بطرح إشكالية *المعنى* و قيمة هدا المعنى من خلال البحث عن أصل الظاهرة .
          من بين ما توصل إليه نيتشه بتطبيقه هدا المنهج هو أن الوجود ليس واقعا خاما – ليس حقيقة مطلقة – بل هو سلسلة تأويلات ، كذلك الشأن بنسبة للظواهر و الأشياء ، إذ أن * قيمة الأشياء * متوقفة على المعنى الذي نعطيه إياه . و عليه * فإن تاريخ ظاهرة ما يصبح هو تاريخ التأويلات المختلفة التي تتعاقب عليها ، أو هو تاريخ تعدد المعاني *1 .

    هدا ما حمل نيتشه على القول بأنه ليس لدين معنى واحد لأنه يخدم قوى متعددة ، و من هنا جاءت نظرته إلى الظواهر على أنها *لغة* ، فهي لا تعبر عن شيء و إنما هي تدل و تعني ، يقول نيتشه * إن ما يهمنا هو معرفة الكيفية التي تسمى بها الأشياء لا معرفة ماهيتها * 2
          مما سبق يتبين لنا أن الفيلولوجيا لا تهتم بما تقوله الكلمات و إنما تهتم بمن يمتلك سلطة الخطاب ، و بالقوى التي تتصارع داخل اللغة انطلاقا من القوى التي تمتلك سلطة التأويل . نتج عن تطبيق هدا المنهج نتائج يسميها من يدعون لنفسه أنهم حراس العقيدة و مكارم الأخلاق بأنها نتائج خطيرة، في مجالات – الدين، الأخلاق، العلم، الفن....

    - 1\ الأخلاق، قال نيتشه أن منبع الأخلاق و القيم ليس أوامر الله كما تزعم الأديان ، كما أنه ليس جوهر العقل الإنساني الذي يحسن ويقبح كما تقول المعتزلة والفلاسفة ، و إنما هي الطبيعة الإنسانية بما فيها من غرائز – غريزة السيطرة وإرادة القوة – وليس هناك سلوكات أخلاقية في ذاتها كما يقول كانط مثلا
     \2- الدين قال نيتشه أن الفكرة الدينية أو الألوهية نشأت مند القديم لخدمة الإنسان على مستويين إما يستعملها الإنسان ليضمن هدا الأخير انتصار رأيه أو يصطنعها الضعفاء من بني البشر لينتقموا من الأقوياء
     \3- العلم و الفن .كشف بحث نيتشه عن أن تاريخ المعرفة الإنسانية لم يقم على البحث عن الحقيقة و إنما ارتكز على البحث عن المصلحة ، و أن الإنسانية تفضل الوهم على الحقيقة حتى تستطيع احتمال الوجود و الاستمرار فيه.
         هده إدن أهم النتائج التي توصل إليها نيتشه بتطبيقه لهدا المنهج ، رغم خطورة هدا المنهج فقد أصبح نوعا من العملة النقدية التي نشرها أبرز الفلاسفة المعاصرين أمثال هيدغر و فوكو و دريدا .
        أما حراس العقيدة عندنا هدا حالهم الخوف من الجديد و التجديد دائما، و السبب هو أننا في هدا العالم الذي يدعي لنفسه أنه –فكر إسلامي – لازلنا لم نستطع أن نصل إلى درجات متقدمة في حرية الفكر و التعبير ، لأن المؤسسة الدينية و السياسية تفرض على المفكر كيفية التعامل مع التراث ، مخافة أن يزعزع المفكر الجنيالوجي جذور الدغمائية القابعة في مستنقع ما يسمونه هم *الفكر الإسلامي * ، لأنه كما يقول نيتشه- فهم الأصل يحد من شأن الأصل -. لأن هده الهزة الجنيالوجية سترفع الجهل المقدس على الجماهير و ستفكر هده الأخيرة بقيادة -المثقف العضوي الجنيالوجي- على فك دلك الزواج الكثوليكي بين المؤسسة الدينية و المؤسسة السياسية ، ومن ثم تأسيس دولة مدنية تجمع الشتاء و الصيف تحت صقف واحد ، وعقل متنور يعرف المقاصد الإنسانية و الإلهية في هدا الوجود في نسق فكري جديد بعيد عن التقليد و التبعية.
      
        في الأخير لا يسعني إلا أن أقول أن النيتشوية نمط من التحليل يراعي الاتساق و الانسجام بين العقل البشري و الخطاب الفلسفي ، فمن تمرس على فهم و استغوار أسرار الفكر النتشوي و خاصة المنهج الجنيالوجي ، كان قادرا على تحليل بعض الظواهر الاجتماعية و النفسية، لم نقل كل الظواهر لكي لا ندعي لنتشوية *الحق المطلق* فنكون كبعض العقول الأرثوذكسية التي تدعي لنفسها الحقيقة المطلقة . نعم للنيتشوية دور كبير في تشكيل الثقافة العالمية المعاصرة ، وهي بمثابة الأم الحنون و مصدر الحياة لفكر ما بعد الحد اثوي لا نستطيع أن ننكر هدا لكن تبقي النتشوية جزء من الكل.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1جيل دولوز ، نيتشه و الفلسفة ص8.7

    2عبد السلام بنعبيد العالي ص32 ملاحظة\ كل محاولة تدعي مزج الفكر النتشوي *كنسق فكري* ولي عنقه ليتطابق مع الإسلام في نظري محاولة فاشلة –قد صدر كتابان نيتشه و الإسلام -. لكي لا يقع خلط و يظن أحد أنني أدندن أو أحاول مزج بين متناقضين فلا أنا تحدثت عن انه ممكن أن نطبق المنهج الجنيالوجي في دراسة التراث الإسلامي لا أن نأخذ ما توصل أليه نيتشه بتطبيقه لهدا المنهج و إلصاقه للإسلام،
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: العقل العربي و شبح النتشوية Rating: 5 Reviewed By: Unknown

    comments-التعليقات

    Scroll to Top