• اخر الاخبار

    Monday 19 October 2015

    حوار مع الدكتور عمرو اديل

     1- أولا نود أن نعرف من هو عمرو إديل ؟
    أنا من مواليد سنة 1956 – وهي كما نعلم سنة حصول المغرب على الاستقلال – وسيكون لهذا التاريخ تأثير كبير على مسار حياتي فيما بعد، لأنني سأكون من الجيل الذي استفاد من التحولات الكبرى التي ستعرفها البادية المغربية في بداية الستينات، وخاصة توسيع قاعدة الأطفال الملتحقين بالمدرسة. ولدت بدوار الزاوية، قبيلة بني عشوش، جماعة مغراوة حاليا إقليم تازة، من أبي رحمه الله مولود بن علي بن عمر، المنتمي لنفس القبيلة، وأمي خديجة بين عمرو المنتمية لقبيلة آيت عبد الحميد. وقد كان لهذا التمازج القبلي تأثير كبير على حياتي في الصغر، إذ اكتشفت مدى الاختلاف الموجود بين مجال يغلب فيه الطابع البوري للفلاحة ونذرة المياه في دوار الزاوية، ومجال أخوالي الذين كنت أتردد عليهم في عين الرحى، التي تتميز بوفرة المياه والخضر وأشجار الفاكهة. أنا واسطة عقد إخواني إذ أن عائلتي تتكون من ثلاثة أبناء وأربع بنات. كان أبي رحمه الله، من بين قلة من الفلاحين الجبليين الذي أدركوا سريعا، وبحكم الاحتكاك بالإدارة الاستعمارية- كان في فترة قصيرة من حياته مجندا في إطار الكوم”- أن تعليم الأبناء هو الوسيلة الأساسية لتجاوز وضعية الدونية والاحتقار والأمية التي عاشوها، ولذلك دفع بي وأخي الأكبر إلى المدرسة، وكان من بين الذين ساهموا في خلق أول قسم دراسي بدوار الزاوية- كانت الدروس تلقى في المسجد القديم- قبل بناء المدرسة الحالية، والموجودة في منطقة وسطى بين قبيلة آيت عشوش وقبيلة آيت عبد الحميد، والتي سوف يتخرج منها عدد مهم من أبناء المنطقة الذين استطاع بعضهم الوصول إلى مراحل متقدمة من تعليمهم والحصول على وظائف وبعد سنوات الابتدائي التي تميزت بالصعوبة وقساوة الظروف- المناخية خاصة في الشتاء- مع غياب أية وسائل للحماية ( لا باش، لا بوط، لا ثياب دافئة…) والمشي أزيد من نصف ساعة في مجال لا مكان فيه للاحتماء لا من الشتاء ولا من الشمس، كنت ضمن أول فوج حصل على شهادة الدروس الابتدائية بمركز مغراوة، وكان يمكن لمساري الدراسي أن يقف عند هذا المستوى، لولا أن خالتي رحمها الله، ستأخذني معها إلى مكناس لاستكمال دراستي. ولك أن تتصور تلميذا قرويا لم يتجاوز مجال حياته الجبال المحيطة بقريته، والذي لم يركب قط وسيلة نقل عصرية، يجد نفسه بين عشية وضحاها وسط مدينة عصرية كمكناس، وأن يلج القسم مع أبناء الحاضرة الإسماعيلية، وأن يدرس عند النصارى !! كل هذه التحولات سأعيشها بشكل متسارع، وسأكون مطالبا بتأكيد جدارتي من خلال الدراسة. وفعلا، كنت بشهادة الجميع تلميذا مجتهدا، حصلت على الباكالوريا سنة 1974، وانتقلت لمدينة فاس، لأحصل على شهادة الإجازة في الجغرافيا سنة 1978، تم رحلت لفرنسا وبالضبط لجامعة تولوز حيت حصلت على شهادة الدكتوراه في سنة 1983. رجعت بعدها للمغرب لأعمل أستاذا بكلية الآداب ظهر المهراز إلى حدود 1996 حيث انتقلت إلى كلية الآداب بمكناس التي لا زلت أعمل بها إلى اليوم.
    2- كيف ينظر الأستاذ عمر إديل إلى منطقة تاهلة والنواحي ؟ ( التاريخ، التنمية …)
    علاقتي بمنطقة تاهلة مزدوجة، فهناك بطبيعة الحال الانتماء بحكم الولادة والنشأة والاندماج الروحي والنفسي، ولكن هناك كذلك نظرتي لها من زاوية المتهم بمسألة المجال والتنمية المحلية. لذلك يمكن القول بإيجاز أنه بقدر ما تزخز به المنطقة بموارد متنوعة ( ثروات طبيعية، مؤهلات سياحية، طاقات بشرية…) فإن هناك ضعفا كبيرا في تثمين هذه الموارد، وتحقيق شروط تنمية اجتماعية حقيقية ( هدر للثروات، ضعف في البنية التحتية، غياب مخططات تنموية، هروب الطاقات البشرية…)، كما أن التاريخ الحافل للمنطقة سواء في مواجهة التدخل الاستعماري، وقبله العلاقات الصدامية مع المخزن، والمشاركة في المقاومة المسلحة في الخمسينات، وبالخصوص العدد الهائل من شباب المنطقة الذين ساهموا بالدم في الدفاع على الصحراء المغربية- لا تكاد تخلو عائلة وراينية من جندي، أغلبهم عاشوا تجربة الصحراء، فإن ما جنته المنطقة من كل هذه التضحيات يكاد يتلخص في جوانب سلبية : اجتثات الثروات الغابوية، اقتلاع للعنصر البشري من محيطه، تدهور الخدمات الاجتماعية وغيابها أحيانا كثيرة، هجرة قروية أدت إلى فقدان المقومات والعلاقات الاجتماعية التضامنية، ونشوء مراكز لا هي بمدن ولا هي بقرى ( الزراردة، تاهلة، أهرمومو…) تعيش على موارد خارجية، تنتشر فيها العطالة والفراغ ويزحف عليها تيار التدمير الاجتماعي ( المخدرات، الدعارة، تفشي الفردانية، وسيطرة الضياع واليأس…)، كما أن سنوات التدبير العشوائي للشأن المحلي، وضعف الممارسة الديموقراطية كانت لها نتائج كارثية على جميع الأصعدة. إن المفارقة الكبيرة تتجلى هنا في كون غنى المنطقة تاريخيا، طبيعيا وبشريا، تقابله اليوم أوضاع متردية على مستوى التنمية والارتقاء بالساكنة وتحسين ظروف عيشها.
    3- كنت من الأوائل الذين تحدثوا عن تاريخ المنطقة، إلا أن الملاحظ أن هذا التاريخ لا يراد له الخروج إلى الوجود.. ما السبب في رأيك ؟
    لا بد هنا من التذكير بأنني كباحث لست متخصصا في التاريخ، بل في الجغرافيا، وهما طبعا مترابطان ومتكاملان، ولكن لكل منهما شروطه ومناهجه. لقد كنت مجبرا عند بداية أبحاثي حول المنطقة أن أعرف بسكان المنطقة من حيث الأصل وتاريخ ومراحل الاستقرار. وهنا واجهت مشاكل عدة، أذكر منها نقطتان : المعلومات حول آيت وراين قليلة جدا في الكتب التاريخية، وهي مشتتة وأحيانا متضاربة، أما المسألة الثانية فتتجلى في كون هذه القبائل عاشت لفترة طويلة على التنقل والرعي، ولم يكن تقليد الكتابة والتدوين حاضرا لديها، وبالرغم من حضور بعض الزوايا، ولكن دون تشكل رصيد وثائقي مكتوب، بل الغالب هو الرواية الشفوية. ومن جهة أخرى، وبحكم العلاقات الصدامية مع المخزن والقبائل المجاورة، فإن الصورة التي تشكلت عن هذه القبائل هي صورة سلبية ( الغزو، النهب، العصيان…)، ومن ثمة كان من الصعب الإلمام بشكل دقيق بتاريخ آيت وراين، ولا زال الأمل معقودا على الباحثين الشباب لإنارة بعض جوانب هذا التاريخ. أما المرحلة الاستعمارية، وبالرغم من مساهمة ودور هذه القبائل في المقاومة سواء عند دخول المعمّر أو قبيل رحيله، فإن ما كتب لم يعط لها ما تستحقه. ولقد أثارني في بداية الثمانينات من القرن الماضي أن المندوبية السامية للمقاومة كانت تقيم ندوات حول تاريخ المقاومة في مختلف الجهات المغربية، ولم يكن هناك من يتحدث عن قبائل آيت وراين. فاتخذت قرارا بالمغامرة، وساهمت بمداخلة أولى في ندوة “المقاومة المسلحة في المنطقة الوسطى الشمالية، وأظهرت أهمية مشاركة قبائل آيت وراين وخاصة خلال ملحمة بوهدلي، وكان لهذه المساهمة وقع كبير، سواء على المشاركين من المناطق الأخرى، أو على أبناء المنطقة الذين لا زالوا يتداولون هذه المداخلة. غير أن ما هو مطلوب اليوم هو مواجهة إرادة –ربما غير معلنة، لكنها موجودة- لدى عدة جهات (وطنية ومحلية) لطمس هذا التاريخ، وإبعاده من سجلات المقاومة المغربية. ولذالك لابد من التجند من طرف المتهمين، وتشجيع الباحثين على إعادة جمع كل ما هو متوفر ولملمة شتات هذا التاريخ وإعادة إخراجه منقحا ومنفتحا –دون تعصب فطري- ومندمجا مع تاريخ باقي القبائل المغربية. ومن هنا لا يجب أن ننسى بأن بعض الذين يملكون الوثائق – سواء القديمة، أو تلك المتعلقة بالمقاومة في مرحلة الخمسينات- لا يريدون إخراجها أو تداولها لعدة اعتبارات. كما أن واقعة الصخيرات، والتجنيد الواسع لشباب المنطقة كان لهما أثر كبير في الصمت الذي يطبق على عدة جوانب من تاريخ المنطقة. وأملنا كبير في أن يعمل الشباب الواعي بأهمية البعد التاريخي على تجاوز هذه الوضعية، مع الـتأكيد على ضرورة تجاوز النظرة الضيقة (التركيز على قبيلة أو مجال محدد)، والإيمان بأن تاريخنا المحلي هو جزء من التاريخ الوطني، وأن لا مجال لفهمه واستيعابه دون ربطه بما جرى حولنا. إنه طبعا عمل شاق وطويل ويكفي أننا حاولنا إنارة بداية الطريق، وأن المجهود المشترك هو الكفيل الوحيد بتحقيق المراد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
    4- شاركت في القافلة المنظمة مؤخرا لتخليد ذكرى معركة بوهدلي، كيف استقبلت الفكرة وما رأيك في هذه المبادرة ؟
    لقد كانت فكرة تنظيم قافلة إلى جبل بوهدلي لإحياء المعركة التاريخية التي عاشتها قبائل المنطقة في مايو 1923، إشراقة جميلة انبثقت من فعاليات جمعوية نشيطة بتاهلة والنواحي، كما أنها في اعتقادي تشكل لحظة وعي حقيقي من طرف شباب آيت وراين لرد الاعتبار لتاريخهم المحلي، ولمساهمة أجدادهم في معركة الدفاع عن حرية واستقلال البلاد. ولقد سعدت كثيرا بتشريفي للمساهمة في المشاركة أولا وفي محاولة تقديم بعض المعلومات التاريخية حول هذه الملحمة. ومن جهة أخرى أعتقد بأن هذه خطوة أولى قد تعتريها بعض النواقص، ولكن ما يهم هو البداية، ولعل الفعاليات التي سهرت على التنظيم- ومنها موقع مابريس طبعا- كلها واعية بأن ما هو مطلوب هو تحقيق إلتئام أكبر عدد من الفعاليات- الجمعوية والفردية والمؤسساتية- حول مشروع التعريف بتاريخ المنطقة، وترسيخ ذكرى المعركة واستخراج الدروس منها.
    5- ماذا تشكل معركة بوهدلي بالنسبة للمقاومة الوارينية ضد الاستعمار الفرنسي ؟
    معركة بوهدلي تمثل في اعتقادي أروع تجسيد لنموذج المقاومة عند آيت وراين بصفة خاصة، ولدى قبائل منطقة تازة بصفة خاصة، وذلك لاعتبارات ثلاثة : أولها حسن استغلال المجال واختيار طرق المواجهة، فالمنطقة عبارة عن مرتفعات جبلية على شكل مثلث يحيط بمنخفض يتميز بوفرة المياه والكلأ وكذلك توفر عدة مغارات، وهي كلها عوامل ستساعد المقاومين على الصمود. أما الاعتبار الثاني فهو طول المدة التي استغرقتها الملحمة (وليس تضخيما منا بل هو اعتراف من الأعداء الغزاة) فقد استطاعت المقاومة الصمود أمام حصار الفرنسيين لمدة سنتين (1921-1923) ولم تستسلم حتى حشدت الإدارة الاستعمارية عددا هائلا من القوات، وترسانة ضخمة من الأسلحة على رأسها المدفعية والطائرات، بل يمكن القول أنها ربما المعركة الأولى التي استعمل فيها الطيران لقصف المقاومين في المغرب. أما الإعتبار الثالث والأخير وهو المهم في نظرنا فهي أن صمود بوهدلي وقوة المقاومة لم يكن ممكنا دون مساهمة عدة قبائل إلى جانب قبيلة آيت بوسلامة، وهذه حقيقة لا يريد البعض الإعتراف بها – إذ أن عددا من الأفراد قد ساهموا في المعركة الكبرى والأخيرة من قبائل وراينية أخرى- من بينهم على الخصوص محند أوحمو، الشخصية المعروفة، كما أن إمداد المقاومين بالسلاح والمؤونة مسألة تشير إليها المصادر الحربية الفرنسية في عدة مرات. ومهما يكن فإن معركة بوهدلي هي مثال للتضحية والصمود، وللتشبت بالأرض، كما أنها كانت بداية النهاية في مواجهة الاستعمار بالمنطقة، غير أن أثارها الواضحة هي ما تبعها من تنكيل وتفقير وهجرة، خاصة لدى قبيلة آيت بوسلامة، كما أن تأثيرها النفسي على باقي القبائل كان كبيرا جداً، خاصة وأن الدعاية الفرنسية قد طبلت كثيرا لانتصارها رغم خسائرها الفادحة.
    6- على الصعيد الوطني… ما موقع معركة بوهدلي مقارنة بالمعاركة المعروفة ؟
    نظراً للخصوصيات التي تتميز بها معركة بوهدلي، وبحكم حجم القوات التي شاركت فيها، وبحكم النتائج التي ترتبت عنها، يمكن القول بدون مبالغة أنها تشكل حلقة من الحلقات الكبرى للمقاومة المسلحة التي خاضها المغاربة ضد الاستعمار، وهي في نفس مصاف الملاحم الكبرى مثل لهري، أنوال ؤبوكافر. غير أنها مع الأسف، ولعدة اعتبارات لم تأخذ في تاريخ المغرب المعاصر حجمها الحقيقي، ولم تحظ بنفس الأهمية، لدرجة أنها لا تذكر في وسائل الإعلام الرسمي، ولم تحظ من طرف المندوبية السامية للمقاومة بأي اعتبار أو اهتمام، بل ليس هناك حتى نصب تذكاري يخلدها. ولذلك فالمطلوب عاجلاً هو ترسيخ هذه الملحمة في الذاكرة الشعبية، وتوثيقها في كتاب المقاومة المغربية، ورد الاعتبار للمقاومين الذين خاضوها كما نطالب بإدخالها في برامج التلفزة والكتاب المدرسي.
    7- ذكرت في عرضك بمناسبة تخليد ذكرى معركة بوهدلي بضرورة استثمار هذه الأحداث التاريخية للنهوض بالتنمية في المنطقة، كيف ذلك ؟
    إننا نعتقد بأن التركيز على استرجاع البعد التاريخي للمنطقة لا يدخل فقط في خانة رد الاعتبار، أو لأجل التباهي والفخر بما حققه الأجداد – ولو أن هذا حق طبيعي-، إذ أن من لا يستحضر ماضيه لا يمكن أن يعي حاضره ولا أن ينظر بإيمان لمستقبله. ولكن لأن الأرضية التاريخية أصبحت اليوم تشكل رافعة للتنمية، وعنصراً مساعداً على التشبت بالهوية والأرض. إذ أن استغلال الأحداث التاريخية والاعتناء بالمواقع الأثرية والطبيعية والتاريخية- يمكن أن يساعد على خلق دينامية سياحية تجلب الرواج وتخلق حركية اقتصادية تساهم في تنمية المنطقة، والتعريف بمؤهلاتها المتنوعة.
    8- هل يمكننا القول أن القافلة كانت ناجحة؟ إن كانت كذلك ماذا بعد القافلة ؟
    نعم، وبكل موضوعية يمكن أن أقول بأن هذه المبادة كانت نقطة ضوء حقيقية في العمل الجمعوي بتاهلة، وأنها استطاعت أن تحقق الأهداف المسطرة لها من طرف المنظمين، الذين نحييهم عاليا على ما قاموا به من مجهودات. وصراحة لا أخفيكم أنني كنت متخوفا قبل الانطلاق إلى بوهدلي، لكن في اليوم الموعود، ورغم عدم مساعدة الظروف المناخية، فوجئت بأننا فعلا أمام قافلة حقيقية : أزيد من 25 سيارة وحوالي 200 شخص من كل الأعمار ومن الجنسين، ولكن ما أبهرني حقيقة هو الحماس الذي عبر عنه المشاركون والانضباط في التنظيم، وكانت فرصة لتلاقي وتعارف العديد من أبناء المنطقة. كما أن إصرار جزء مهم من المشاركين على الصعود حتى جبل بوهدلي كان شيئا رائعا، من جهة أخرى يجب التسطير على أن البعد الإعلامي للقافلة كان مهما جداً، وقد عبر العديد من أبناء المنطقة عن تأسفهم لأنهم لم يكونوا على علم بالمبادرة وإلا لكانوا من المشاركين. أما عن الآفاق فأعتقد بأن الإخوة في اللجنة التنظيمية قد استخلصوا مجموعة من الدروس سوف يعملون على بلورتها لاحقا في توصيات. وما يجب التأكيد عليه هنا هو العمل منذ الآن على التهييء للقافلة الثانية في السنة المقبلة، من خلال التركيز على البعد الإعلامي، وتجنيد كل الطاقات للمساهمة فيها، وإعداد دليل يعرف بالمعركة، وجعل يوم تنظيم القافلة عيدا حقيقيا للمقاومة الوراينية، مع ضرورة التوجه نحوالمؤسسات الرسمية لطلب الدعم والمساندة –المجالس الجماعية، العمالة والمندوبية السامية للمقاومة
    9- في موضوع آخر، كيف تقيم العمل الجمعوي بالمنطقة ؟
    عاشت تاهلة لسنوات طويلة فقراً مذقعا على مستوى التنشيط الثقافي والعمل الجمعوي، وقد كان للأوضاع العامة التي عاشتها المنطقة تأثير كبير على الوضعية. كما أن تضارب المواقف السياسية وتغييب العمل الثقافي لدى المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي- نظرا لجهلهم وتخوفهم من الشباب المتعلم- ولهتهم وراء المصالح الخاصة، كلها عوامل أدّت إلى ضعف في النشاط الجمعوي. غير أن ما نلاحظه خلال السنوات الأخيرة، هو أن هناك وعيا متزايدا بأهمية العمل الجمعوي، خاصة في بعده الاجتماعي والحقوقي، وقد أصبحت اليوم تاهلة والمنطقة عموما تعرف دينامية حقيقية في هذا الباب، وأصبحت تُذكر في وسائل الإعلام، وتزايد وعي السكان بحقوقهم، وهذه كلها أمور إيجابية. غير أن المأمول هو أن يتطور المجهود نحو بلورة أرضية مشتركة تتضمن المطالب العامة وسبل تفعيلها، وإطلاق مبادرات جماعية –مثل تنظيم هذه القافلة-، وتجاوز الحزازات والحسابات الضيقة –السياسوية أو القبلية وغيرها- بهدف خلق دينامية جديدة تخدم الصالح العام للمنطقة، وتشرك كل الفعاليات الوراينية محليا ووطنيا ودوليا، وما ذلك على أبناء المنطقة بعزيز.
    10- تهميش المنطقة أمر مٌجْمَع عليه، إلى ما يرجع ذلك ؟
    يمكن أن نقول بأن مسألة التهميش هي قضية نسبية، بمعنى أن من يعرف المغرب العميق، قد يلاحظ بأن الأوضاع في منطقتنا تتشابه بشكل أو بآخر ما تعيشه عدة مناطق من البوادي المغربية. غير أن ما هو مهم هو أن نركز على شيئين اثنين لتفسير هذه الأوضاع.
    أولاً : لقد كانت علاقة المخزن مع المنطقة وسكانها علاقة صدامية قبل الاستعمار وبعد الاستقلال (أحداث انقلاب الصخيرات…)، وقد ترسخت فكرة لا زالت مروجا لها لحد الآن مفادها أن المخزن “ساخط” على المنطقة، مما كرس تهميشها من طرف السلطات المحلية لتازة في أغلب البرامج التنموية.
    ثانياً : كان لترسيخ النموذج شبه الوحيد للاندماج الاجتماعي المتمثل في سلك الجندية (بسلكيه الجنود والضباط) تأثير كبير في سلوك أبناء المنطقة : الالتزام بالأوامر، الانضباط، الخوف والهرب من السياسة والبحث عن المصلحة الخاصة، واختيار الاستقرار والاستثمار خارج المنطقة، والرجوع فقط في الأعياد والأعراس… إن هذه الوضعية قد خلقت انفصاما بين المنطقة وأبنائها، وحتى الذين استطاعوا الحصول على وظائف مدنية لم يستطيعوا تشكيل قناة للتواصل لإبلاغ المسؤولين رسائل ومتطلبات المنطقة. لاحظ معي أنه خلال 50 سنة من الاستقلال لم يصل سوى وزير واحد لمستوى المسؤولية العليا !!. وقد أتاح هذا الوضع من جهة أخرى لبعض سماسرة الانتخابات، من أميين وأشباههم للوصول إلى تدبير الشأن المحلي أو التمثيلية في البرلمان، فكانت الكوارث التي نؤدي ثمنها اليوم في غياب وضعف البنيات التحتية والتجهيزات الاجتماعية ونفور السكان من كل ما له ارتباط بالمشاركة السياسية.
    11- ألا تساهم النخبة المثقفة في تكريس هذا التهميش للمنطقة ؟
    هذه مسألة نسبية كذلك، صحيح أن غالبية الذين حصلوا على قسط وافر من التعليم لا يتعاطون للإهتمام بالشأن المحلي وبمصير المنطقة، ولا يبادرون لاحتلال المواقع المفروض أن يقتحموها، لكن بالمقابل، لا يمكن أن ننكر بأن أقلية من أبناء المنطقة قد بادروا منذ الثمانينات للانخراط في العمليات الانتخابيةومنهم أنا- غير أنهم واجهوا لوبيا مزدوجاً : الداخلية التي كانت تنظر إليهم بغير عين الرضى، وسماسرة الانتخابات الذين أفسدوا كل الأمور. وخلال السنوات الأخيرة نلاحظ بأن هناك انتعاشا نسبيا للعمل الجمعوي الذي يقوم بمبادرات يشكر عليها. طبعاً لا زال الأمر محدودا، ولكن الطموح والتعاون وترسيخ فكرة مشاركة الساكنة في تدبير أمورها، هي لبنات يمكن أن تؤدي إلى تطور الوعي الجماعي وترسيخ قيم المواطنة بما تعنيه من حقوق وواجبات. كل هذا لا يمنع من التوجه بنداء صادق لكل الغيورين عن المنطقة من أجل العمل والتنسيق بين مختلف الفعاليات بهدف بلورة أرضية مشتركة حول المطالب المستعجلة وشروط تحقيق تنمية محلية حقيقية، تشمل مختلف الأبعاد والجوانب، بعيدا عن الحسابات والحزازات السياسية الضيقة.
    12- ورد في توصياتك التي قدمتها في عرضك الدعوة إلى جمع كل ما له علاقة بالمنطقة ، هل من مبادرة عملية لتفعيل هذه الفكرة؟
    هذه مسألة في اعتقادي تتخد طابعا استعجاليا، لأننا نرى بالعين المجردة بأن زحف العصرنة (أحيانا في مظاهرها السلبية) يؤدي بسرعة فائقة إلى اندثار وتراجع بل واحتقار كل ما هو أصيل وموروث، سواء على المستوى الثقافي في جانبه الفني (الفلكلور مثلا) أو في جوانبه المرتبطة بالملبس والمسكن وأدوات العيش، لذلك، وحتى لا نفقد جزءاً كبيراً من ثراثنا المادي والشفوي، فإن خلق متحف جهوي بتاهلة يضم مختلف المواد والوثائق التي تؤرخ للمنطقة هو أمر ضروري ومستعجل. لذلك نكرر النداء للمسؤولين ولكل الغيورين على المنطقة من أجل العمل سويا لإنقاذ موروثنا، والعمل على جمع ثراثنا، والمحافظة على هويتنا المحلية قبل فوات الأوان. كما أن واجب الباحثين الشباب يفرض جمع كل ما توفر من وثائق وأدلة مهما بدت صغيرة وثانوية، فقد تصبح مفقودة مع مرور الأيام.
    13- كلمة أخيرة
    أتقدم بالشكر الجزيل لموقع مابريس المحلي، وللأخ يوسف لخضر الساهر عليه، على هذه الاستضافة الجميلة، كما أنوه بالعمل الذي تقومون به على مستوى التعريف بالمنطقة، أو متابعة ونشر أخبار ما يجري فيها. أملي أن يتطور هذا المشروع بسرعة، وأن يستقطب المزيد من القراء والمساهمين، وأن يشكل إطارا مفتوحا للمناقشة والتعريف بكل ما يهم المنطقة، وأن يكون صوتا معبرا عن تطلعات وآمال السكان. كما أوجه نداء أخيرا إلى كل الغيورين عن هذا الجزء من التراب الوطني للعمل جميعا، كل من موقعه، وحسب إمكاناته، من أجل تحقيق التنمية المحلية المنشودة لمنطقتنا.

     منقون عن : مابريس
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: حوار مع الدكتور عمرو اديل Rating: 5 Reviewed By: Unknown

    comments-التعليقات

    Scroll to Top