• اخر الاخبار

    Saturday 10 October 2015

    الخطاب السلفي كمؤسس للجهل المقدس في عقلية المسلم –السلفي

    الخطاب السلفي كمؤسس للجهل المقدس في عقلية المسلم –السلفي- بقلم هشام التجاني

    قبل أن نسافر بكم إلى الشرق 5ه و إلى ظلمات التأسلف , لا بأس أن أقدم للقارئ تعريفات لبعض المصطلحات سأستعملها. مصطلح *الخطاب*و *تحليل الخطاب* عند أشهر فلاسفة الخطاب ميشيل فوكو فلقد قدم تعريفا جديدا للخطاب لا يستند إلى أسس ألسنية أو منطقية، بل يتشكل من مجموعة من المنطوقات بوصفها تنتمي إلى ذات التشكيلة الخطابية فهو ليس وحدة بلاغية او صورية.... بل عبارة عن عدد محصور من المنطوقات التي نستطيع تحديد شروط وجودها (فوكو: حفريات المعرفة. أما تحليل الخطاب فهو الكشف عن القوانين ذات نشأة التاريخية التي تضع بنية أو تؤطر إنتاج المعاني في سياق اجتماعي محدد. فمشروع فوكو قائم على العلاقة القائمة بين المعرفة \ الخطاب \ و السلطة الكامنة و راء هدا الخطاب , و كيف تتطور و تتغير هده المكونات الثلاث عبر التاريخ. فيما يخص مصطلح *السلفية * هو معروف – طائفة من المسلمين تدعي لنفسها أنها تجسد ما تركه *السلف الصالح* في حاضرها - , هدا التعريف , يمكن القول انه الإطار العام الذي تضع هده الجماعة نفسها فيه . مصطلح الجهل المقدس هو مصطلح متداول في دوائر الفكر الإسلامي اقتبسه محمد أركون من الدراسات الإستشراقية كما هو معهود فيه .الجهل المقدس *مجموعة من الاعتقادات و الأفكار و السلوكات ليست في الدين من شيء لكن يراد جرها أو إطفاء طابع القداسة عليها بمبررات دينية * , يستخدمه –الجهل المقدس- ملقي الخطاب *السلطوي* أقصد بالسلطة هنا إرادة توجيه وعي الأخر أي كان الموقع الذي يتخذه هدا الساعي لسلطة دينية أو سياسية أو ..... لكي يستعطف المتلقي, و كما هو معروف فإن أي متسلط في المجتمعات ذات الطابع الدينية غالبا الإسلامية سواء كان – الزوج على زوجته, الآباء على أبناءهم, الرجل السياسي على شعبه , رجل الدين على القطيع الذي ينساق وراءه – كلهم يستعملون الجهل المقدس كأساس لبنية الخطاب الديني لأن هدا الأخير لص محترف يجيد التسلل إلى القلوب المستضعفة بدون إحداث الضجيج و دائما يتألق في إنجاز مهمته , و الهدف دائما استرجاع المشروعية المفتقدة دينيا و سياسيا و اجتماعيا .... قبل أن أبدأ في تشريح بنية الخطاب السلفي في البداية لا بد أن أبين كيف يتعامل ملقي هدا الخطاب مع التاريخ , لما التاريخ بالضبط لأن الخطاب السلفي لا ينتعش إلا من الماضي , ففي الماضي ماضيه و حاضره و مستقبله , فهو خطاب الحاضر غير حاضر فيه ليس لأنه مرفوض بل لأن حضور الماضي فيه ابتلع الحاضر نهائيا إلى درجة ابتلاعه حتى المستقبل معه , و هدا واضح في شعارات المتأسلفين –الأصالة و التمسك بالجذور و الحفاظ على الهوية – باعتبارها مكونات *للإسلام الحقيقي* الإسلام السلفي لا إسلام المسلمين المخالفين , إسلام أصبح يقرأ المستقبل و الحاضر بواسطة الماضي لكنه لا الماضي الذي كان بالفعل بل الماضي كما كان ينبغي أن يكون .و كما يقول الجابري *القراءة السلفية للتراث , قراءة لاتاريخية , و بالتالي فهي لا يمكن أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للتراث هو الفهم التراثي للتراث . التراث يحتويها وهي لا تستطيع أن تحتويه لأنها التراث يكرر نفسه *. هده كانت نبدة عن العقل السلفي وكيف يتعاط مع التاريخ .ننتقل إلى بنية الخطاب السلفي و من يؤسسه , قبل محنة ابن حنبل كانت سلطة هدا الخطاب في يد من كانوا يسمون *بأهل الحديث* بعد المحنة أصبحوا يسمون *بالحنابلة* . تجدر الإشارة إلى أن الخطاب السلفي متشابه في كلتا المرحلتين *قبل و بعد المحنة* , لا يتغير بتغير الزمكان و لا يتطور إن صح التعبير فهو خطاب أرثوذوكسي , فخطاب الحنابلة في بغداد 5ه هو خطاب السلفية في 14ه , و المتغير في هدا الخطاب هو كل مرحل يزداد في هدا الخطاب أعلام جدد وتزداد عبارات التبجيل و التقديس لهم باعتبارهم أهم مكونات المخيال الاجتماعي السلفي . المتتبع للخطاب السلفي سيجد أنه هناك آليات قارة و لا تتغير مثل -الآلية الأولى " ثنائية المصطلحات المتقابلة" التي لا وجود لمنطقة التوسط فيها *إما - أو* "صحيح أو خطأ, كافر أو مؤمن", " صاحب حديث أو صاحب بدعة", "القائمون بالحق أو أهل الهوى ". لا يخلو الخطاب السلفي من هده الثنائيات و التي في غالب الأحيان تكون تخدم الإيديولوجية السلفية على أن "أهل الحديث" هم ورثت الأنبياء و المخالف يعني أهل العقول و الأهواء لا يذكروهم إلا بالتهجين فهم الضالون الجهلاء المبتدعة. ثنائية أخرى "العلم العقل" العقل السليم يرى إن هده ليس ثنائية متعارضة فالعلم و العقل هم أهم معالم التقدم الحضاري , لكن في المنظور السلفي فالعقل عائق إبيستيمولوجي لأنهم يعتبرونه مصدر الأهواء و الزلل –تسيطر عليه النفس الأمارة بالسوء- , أما العلم فهم يعتقدون إن العلم كله من عند الله , و بهدا الاعتقاد رفعوا الحديث إلى منزلة القران فالكل من عند الله إذن الكل "مقدس" "لهدا عندما تناقش سلفي يقول لك يا أخي في الله لما نستعمل عقولنا الكل موجود في كتاب الله و سنة نبيه لكن عندما تقل له المسألة الفولانية موجود في علم الرياضيات وهي أي المسألة غير موجودة في كتابك "المقدسة" و هدا العلم صنعة عقلية صرفة بعيدا كل البعد عن ما انزله ربك , ينزعج السلفي لأنه يشعر بأن نصف من معتقداته جهل قدسه " هدا الجهل واضح في الخطاب السلفي الذي لازال يعتقد بأن الأرض ثابت و الشمس تدور من حولها و أن العلماء لم يصلوا إلى سطح القمر و أن التصوير حرام و أن الرسم و الغناء و المسرح حرام ...... فضائح هدا الخطاب لا تعد و لا تحصى.-الآلية الثانية "العزف على المخيال الاجتماعي" , فلكل مجتمع مخيلة تحمل ثقافته و تراثه و تاريخه المليء بالمنجزات و البطولات و الهزائم التي يختزلها الخطاب فيما يسميه فوكو "الذاكرة الخطابية ". أهم حدث في تاريخ ابن حنبل هو *محنته* مع المأمون , ليس هناك كتاب لأهل الحديث يفصلون فيه بالتدقيق لا لمادا امتحن و لا من امتحنه إلا في إشارات, و الكلام كله دائر أن المسكين ابن حنبل امتحن و عذب و صبر ضد قوى الباطل أصابه ما أصاب الأنبياء من سوء من أقوامهم و صور ابن حنبل في الخطاب السلفي على انه ذلك المناضل الثوري الذي لولاه لضاع الإسلام .السؤال المطروح ما السبب وراء هده المحنة؟ قام ابن حنبل بتحرك سياسي مع أصحاب الحديث و عم المأمون إبراهيم ابن المهدي و حاولوا الإطاحة بالمأمون لاختياراته العقلانية سنة أسس المأمون بيت الحكمة و بدأ بترجمة كتب أرسطو كفره أهل الحديث و سموه بأمير الكافرين و حاولوا بالقيام بانقلاب ضده , فالحادثة -المحنة- لها ظروف تاريخية معلومة , ويمكن القول أن أهل الحديث هم الذين جروه إلى رد الفعل لأنهم هم الذين كفروه و أسقطوا شرعية خلافته , لو كنت أنا مكان المأمون لأسست محرقة كبيرة لأهل الحديث , وسأضحي بان حنبل كما فعلوا للجعد ابن درهم ألمعتزلي. -الآلية ثالثة "النزعة التاريخية الكهنوتية للأعلام المؤسسين" من أبرزهم ابن حنبل إذ يتم إخراج العلامة أو الشيخ من سياقه البشري و إلحاقه إلى عالم مفارق وضعهم في منزلة الأنبياء والأولياء. و الخطاب السلفي حينما يكون في حالة تمجيد لبعض مؤسسيه , دائما يحاول اللعب على الذاكرة الدينية , فمثلا كل التراجم التي اتخذت ابن حنبل موضوعا لها أغلبها تعيد نسبه لإبراهيم الخليل يعنى ان نسبه شريف كما "رسخ في الذاكرة الدينية أن نسب الرسول من إبراهيم" , مؤشر الأخر في توظيف الذاكر الدينية هو الترابط بين مؤسس المذهب و الأنبياء عبر ظاهرتين ,الظاهرة الأولى *المنام* كأن يظهر نبي لأحد أصحاب الحديث فيقول له بلغ سلامي لابن حنبل فإنه مواصلة لما بدأنها بمعناه انه يمتاز على باقي البشر لأنه اقترب منا , الظاهرة الثانية *المعجزات* الخطاب السلفي زاد هوسه بابن حنبل إلى درجت إن بعض المعجزات التي حدثت مع الأنبياء ينسبونها إليه مثل قضية مخاطبته للحيوان , قضية إبراء العاهات , قضية البلاغة و قوة الحجة لديه , قضية النار التي شبت في بيت ابنه صالح فأكل النار كل شيء إلا ثوب واحد لابن حنبل , قضية الغرق الذي وقع في بغداد *دجلة و الفرات* فأخذ الماء كل شيء إلا صحيفة فيها بعض أسطر لابن حنبل هده المعجزة تذكرنا بما ينسب إلى الصحيفة التي عوقب بموجبها أوائل المسلمين و هجروا إلى شعاب مكة و علقت الصحيفة على جدار الكعبة فتآكلت كلها إلا عبارة "باسمك اللهم" و كثيرة هي النكت من هدا القبيل عند الطبري و ابن القيم . -الآلية الرابعة عقلنة اللامعقول , المتأسلفون دائما يستعملون في خطابهم الكرامات و المعجزات لإطفاء طابع القداسة على الشيخ و العلامة و هو يعي أن خطابه سيسقط في مستنقع الميثولوجيا لهدا يحاول أن يعقلنه بربطه بأمور مقدسة, وكما يقول فلاسفة الخطاب فإن لكل معرفية بنية خطابية محدد ,فإن خطاب أصحاب الحديث ينهض بمعرفة محدد هي "الميتاتاريخ" *علم خاص بأهل الحديث يهتم بقراءة التاريخ الإسلامي و أعلام مذهبهم بنوع من القداسة محاولين ربط التاريخ الإسلامي و شيوخ السلفية بالعالم المفارق عالم الأنبياء و المعجزات *وكل هدا يتم تبريره بمقولات عقلية و رائد هده الآية هو ابن خلدون و الأشعري بعد ثوبته النصوحة من الأشعرية إلى السلفية . مما سبق يتضح أن الخطب السلفي لم يقصر في إثابة صحة إيديولوجيته مستعملا "الحقيقة " " الدين " "المقدس" "الخرافة" "استلاب ملكة العقل" المهم ان تبقى راية أهل الحديث دائما ترفرف, لهدا كانت كل أساليب التوجيه مبررة عندهم و بما في ذلك العنف فالعنف مبرر في بنية تفكيرهم و في بنية خطابهم و ما يمارسونه مجرد تجلي لهده البنية . , هدا جعل خطابهم قائم عل نحن و نحن الفرق الناجية و غيرنا في الجحيم, هدا الخطاب ألإقصائي غير قادر على التعامل مع المخالف و احترام منطق الاختلاف داخل المجتمع , و هدا يعارض قيم الإنسانية و التعددية. فكيف للخطاب السلفي المنغلق و الخرافي في أغلبه, أن يخرج قطيعه من الجهل المقدس الذي أوقعهم فيه إلى الانفتاح لا الانغلاق عبر التعلم لا تجهيل عبر التواصل الفعال لا النرجسية و الإقصاء ؟

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الخطاب السلفي كمؤسس للجهل المقدس في عقلية المسلم –السلفي Rating: 5 Reviewed By: Unknown

    comments-التعليقات

    Scroll to Top