• اخر الاخبار

    Monday 12 October 2015

    الميثولوجيا الأمازيغية تاهلة / "قراءة في الأسطورة الوراينية د - تامزيرت

     د - تامزيرت  
       قبل الخوض في سرد تفاصيل أي أسطورة من الأساطير الوراينية ، لا بد أولا من تقديم توطئة عامة تقرب جمهور القراء من ماهيتها و تعرفهم بها و بطبيعة عوالمها ،فهذه الأساطير الوراينية التي تتخذ من أسماء أبطالها عناوينا لها ،كما هو شأن أسطورة "لونجا" التي يطلق عليها البعض جزافا إسم أسطورة "يوسف الغنضور" و هو عنوان إكتسبته هذه الأسطورة تأثرا بما جاء من القصص الرائع في القرآن الكريم ، تلك التي تروي سيرة سيدنا يوسف عليه السلام بعد أن وصل الإسلام كدين جديد إلى ديارنا . و هذا في نظري أمر محبب لا يدعونا إلى القلق ، و يمكن اعتباره تأثرا و تفاعلا طبيعيا بريئا جرا بين ثقافة و دين جديد وافد آنذاك ، لكن الشيء الغير طبيعي و الذي جرا للعديد من أوجه ثقافتنا و أدبنا الغير مكتوب ، هو الطمس الذي جاء مختبئا في شعار براق سمي في حينه "أسلمة الثقافة الأمازيغية باعتبارها ثقافة وثنية ، و هذا الشعار البراق في الواقع كان شعارا مخاذعا لأنه أتى مرتبطا بشكل وثيق بسياسة التعريب الظالمة التي أرادت أن تردي رافدا من الروافد التي تشكل أساس الهوية المغربية ، حين نادى أصحابها بإقبار اللغة الأمازيغة، و مثل هذه النداءات التي تطفو إلى السطح أحيانا ، هي الأمر المقلق و الغير محبب ، لأنها تؤدي بدورها إلى ظهور ثوأم متعصب لها في االطرف الآخر نقيض لها في الخطاب و يطالب هو بدوره بإبادة كل ماهو عربي إسلامي و إقصاءه ، و هذا هذيان و جنون بعينه ، لأنه في كل الأحوال سيكون القاتل و المقتول واحدا و هو الثقافة المغربية التي تسع الجميع،و يصبح المغربي إذا انساق وراء هذه الخطابات العنصرية الهدامة كالنار التي تأكل نفسها و الفكرة التي تنفي ذاتها ، و هذا هو الأمر الغير طبيعي و المرفوض . أما مسألة أسلمة ماهو وثني في ثقافتنا ، فالكل يعلم مدى إقبال الأمازيغ على هذا الدين بأريحية تكاد تكون مطلقة ، و الأمازيغ هم الذي أوصلوا هذا الدين إلى أوج عظمته و تألقه الحضاري في أوروبا ، و يكفينا نحن بني وراين مفخرة في الإسلام تذكر لنا أبد الدهر ، الجامع الشهير المعروف باسم منارة الخيرالدا" التي أشرف على بناءها كبير العرفاء أحد أبناءنا النجباء ، و هو من كبار الشخصيات في الدولة الموحدية،الورايني المشهود له بالنبوغ و التفوق "أبو داوود ايلول بن جلداسن" هذه الهامة المغربية التي ما يزال إشعاع معمارها و منجزها الحضاري الإسلامي العربي يشع على أوروبا من الأندلس ، و يتم ذكره في العالم أجمع . و هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أننا نحن الأمازيغ أيضا كباقي القوميات نعتبر من أهم بناة صرح هذه الأمة الإسلامية و روافع هذا الدين العزيز و العظيم ، لذلك لم نكن أبدا نحتاج كأمازيغ إلى هذا الشعار المخاذع الذي نادى بأسلمة ثقافتنا ، ليخفي نوايا أصحابه المبنية على سياسات التعريب و العنصرية ، و ما رافقها من برامج الإقصاء و الإكراه و الهدم لبنيان هويتنا المغربية . لأن مسألة أسلمة الثقافة الوثنية كانت و ما تزال تتم في مجتمعنا المغربي بشكل تفاعلي و تبادلي سلس من تلقاء نفسها مع باقي الروافد المغذية للثقافة المغربية ، و النموذج يظهر جليا في "عادة الإستمطار" التي جاءت مروية في الأسطورة المعنونة ب "تسليت ن-ونزار" حيث كانت قبائل أيت وراين تحتفل بهذه العادة قديما عند الحجر المقدس "أزرو ن-تسليت" منشدين له الترانيم طلبا للغيث و المطر ، من المعبود الممجد في معتقداتهم الوثنية آنذاك الإله "أنزار" حيث لم يعد أحد منهم يقول اليوم في أناشيد المطر المترنم بها كما في هذا الإهزيج مثال :
         " س-ؤغنجا طار ؤونجا آي أنزار اوشانغ اروا"
           بل تم استبدال إسم "أنزار" الذي جاء في تلك الترنيمة بإسم "ربي" الذي لا يعني إلا الله سبحانه و تعالى ، و الأمثلة كثيرة و متعددة . و لقد تم هذا الإحتضان العظيم للدين الإسلامي في ثقافتنا بأريحية تكاد تكون مطلقة ، من خارج برامج التعريب و دعاوي الإستيلاب و الأسلمة المغرضة و دعاوي الهدم التي أرادت سوءا بالثقافة المغربية ، خصوصا بهذا هذا الثراث الأمازيغي التليد الذي نحبه و نعشقه .
        لذلك إذا أردنا أن ننصف عنوان هذه الأسطورة المعنونة بيوسف الصديق" فذلك لن يتأتى إلا بإرجاعه إلى أصله و أصالته ، أي إلى سياق دلالة لغته الأم و مضامين ثقافته الأصيلة ، فنسميها "أسطورة لونجا و آسيف أغنضور" دون أن نفقد حبنا و تقديرنا لإسم النبي يوسف عليه السلام ، و الذي يختلف سياف قصته و نسق تفصيلها عن سياق هذه الأسطورة الخرافية و نسق تفصيلها "آسيف آغنضور" و آسيف عند الأمازيغ يعني الوادي ، و حين ينضاف إليه توصيف "آغنضور" فهذا يعني أن الواد الذي نتحدث عنه،هو واد جارف و هادر ، فلا غرابة إذن أن يجد الرواة الأمازيغ ضالتهم في مثل هذا النهر المتدفق الهادر ، كي يتخذوا منه إسما لأنفسهم أو يطلقوه على صناديدهم و أبطالهم الأسطوريين الموسومين بالشجاعة التي لا تقهر ، تلك التي تشبه هدير النهر و سيله الجارف ، فالإنسان الأمازيغي شأنه شأن كل الشعوب العريقة ، تعتبر الطبيعة هي مدرسته الأولى التي تعلم منها و فيها كل الأشياء و الأسماء و الأغراض التي تهمه ، لذلك كانت أسماءه مرتبطة غالبا بأسماء الحيوانات و النباتات و الكواكب و الموجودات بشكل عام ، فكان ينتقي منها ما يحلو له من ميزاتها و صفاتها الجميلة فيطلقها على نفسه ليتميز بها عن الأخرين ، لذلك نجد في أسماء النساء مثلا، ماهو مرتبط بالكواكب و النجوم المتلألئة فنقول "تازيري" و تعني القمر ، ونقول "سامو ترق" و تعني الشمس البراقة ، و نقول "تف-ؤورغ أو تف-ءثري" و تعني هذه على التوالي "ثاج الدهب و ثاج النجوم" ، لأن مفردة "تف" في هذين الإسمين الأخيرين ليست واردة بمعنى يراد منه التفاضل بين شيئين حتى ندهب إلى ما يدهب إليه كثيرون فنقول "تف-ؤرغ و تف-ءثري" تعني أفضل من ذهب و أفضل من نجمة(ترجمة حرفية) بل نقول بأن "تف" هي مفردة تستمد معناها من إسم "تافا" التي يطلقها الفلاح عادة على السنابل التي راكمها بجوار البيدر تنتظر الدراس ، فنقول "تافا أيردن" أي ما تراكم و علا من رزم القمح ، لذلك فكلمة "تف" تأتي في هذا السياق أي بمعنى تراكم الخير و علو شأن صاحبه ، لأنه قديما كان علو الشأن و رفعته يقاس بحسابات البيدر و مخزون المطامر و ليس بالأرصدة المذخرة في الأبناك كما هو الحال اليوم ، فإنتاج البيدر هو الرأسمال الذي يحدد مكانة الفرد في مجتمع القبيلة ، و لأن النساء الأمازيغيات كن دائما رمزا لمعاني الخصوبة و العطاء و الخير و ذراع العون للفلاح في كل تفاصيل الحياة صغيرة كانت أم كبيرة ، أطلق عليها الرجل هذه الأسماء اعترافا لها بجميل صنيعها و بسلطانها عليه ، كأنه أراد أن يقول لها :
          يا أنثاي الساحرة..يا أم أبنائي في المنزل..يا يد العون العاملة إلى جواري في الحقل..يا غازلة الصوف و حائكة الأثاث..يا سيدة المنسج و النول..يا شاعرة تنظم القوافي لتصنع لنا عرسا و فرح..يا طاووسة تزهو بجواري في رقصة الأحيدوس...أيتها المرأة الكلية أنت هي القيمة الرفيعة في هذا الوجود ..أنت النجوم المتلألئة في سماء هذا الكون فوقي .. أنت القمر (تازيري) أنت ثاج من دهب و من نجوم يزين هامتي، لا مكان يليق بك يا سيدتي إلا القمة ، لذلك سأرفعك و أضعك تاجا فوق هذا الرأس ، و أنت بالنسبة لي هي "تافا" بمعنى أنت الثاج الذي يعلو الرأس .

         أما الرجال فكانوا يسمون أنفسهم بأسماء الوحوش و الطيور و الكواسر للدلالة على الهيبة و سلطان القوة فتجد في الرجال من يلقب نفسه "أسدا : ءزم" أو "فهدا : أغيلاس" دلالة على الشجاعة ، و هناك من لقب نفسه ب"آزر-ؤييس : هامة الحصان" للإستدلال على النبل و القوة ، و هناك من إختار إسم "أثبير : حمام" و هو رسول المحبة و السلام ، أو "ؤشن:دئب" كرمز عن الذكاء الحاد..الخ . إذن هي كلها صفات لا يتحلى بها في الغالب إلا الأذكياء و الشجعان الذين لا تلين لهم عزائم مهما بلغت بهم نوازل الأمور ، و لقد تمت تسمية هذا البطل الأسطوري "آسيف آغنضور" من طرف الراوي بإسم مركب يتكون من كلمتين : حيث معنى الواحدة فيه يكمل معنى الأخرى ، و ذلك من أجل إبهار المستمع و إلهاب حماسه منذ البداية كي يبقيه مشدودا إليه ينتظر ما سيحكيه له عن هذا البطل الخارق دون كلل أو ملل ، و ثانيا لتبرير الإنتصارات الخارقة لهذا البطل على كل الصعاب و التحديات التي سوف تعترضه و هو يخوض في ملاحمه خصوصا مع ذروة الأحداث المثيرة،بعد عملية تحرير "لونجا" و مطاردة "تركو" و "ءديدي" لهما ، فيصبح منسوب شجاعة و قوة البطل الأسطوري آسيف و حصانه"أييس" حين يتحدان و يصبحان جسدا و روحا واحدة "أزروييس" منسوبا عاليا هادرا كغضب النهر المتدفق في هيجانه أو كذاك الطوفان الجارف الذي يأتي على الأخضر و اليابس و يضرب بقوة كل شيئ يعترضه في طريقه لذلك جاءت مفردة "آغنضور" كتوصيف لمدى قوة هذا البطل الخارق هو و حصانه ، فقوتهما مذهلة قاهرة لا تخلف في أعداءها إلا الدمار  . أما "لونجا" فهي الإسم الأنثوي الأسطوري الوحيد الذي احتفظ ببريقه في فضاء الأسطورة الوراينية ، فلم تطاله عوامل النسيان و الإندثار ، و لم يتآكل بسبب عوامل الزمن أو التعريب الذي حدث ، و إذا أردنا أن نجري له عملية تفكيك بسيطة يمكن أن نقول عنه بأنه اسم يشتق معناه من المفردة الأمازيغية "تاونجات" و هي أنثى الطائر اللقلق (أونجا) الممشوقة القد و القوام ، صاحبة العيون السود الساحرة ، تلك التي يكسوها النصاع بريشها الأبيض المرقوم بالسواد كاختزال جميل لزمن المنفى الذي عدت فيه "لونجا" تعاقب الليل و النهار و هي تنتظر الخلاص و الفرج ، كما أنه اختزال لألوان الصوف الذي كانت تغزله و تحيكه و تنسج منه الأثاث ، حيث علمتها "تركو" فنون الشعر و الغزل و الطرز و علوم السحر . لكل هذه الدلالات في نظري تم اشتقاق هذا الإسم "لونجا" من "تاونجات" بعد حدف حرف التأنيث من أوله و آخره ، و تحويل الألف بعد ذلك إلى حرف اللام، ليصبح في الأخير إسما مميزا فريدا مبهرا يليق ببطلتنا يسهل حفظه و تذكره ، شأنه شأن جل الأسماء الواردة في أساطير الحضارات و الشعوب القديمة ، و التي إختلقها الرواة كي تكون أسماءا مخنثة غير مألوفة ملفوفة بقليل الغموض، لكي تخلب عقول الناس ، و لكي يسهل حفظها في وقت مبكر من التاريخ ، كانت الخرافة و السحر في حد ذاتهما ، هما ثاج المعرفة ، و كانت الأسطورة حكرا على كهان المعابد و صفوة القوم و نبلاءهم ، و كانت الشعوب تتقن فن الإنصات و الإصغاء إلى ما تقوله الأسطورة التي كانت هي خميرة الفكر البشري الأولى .
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الميثولوجيا الأمازيغية تاهلة / "قراءة في الأسطورة الوراينية د - تامزيرت Rating: 5 Reviewed By: Unknown

    comments-التعليقات

    Scroll to Top